فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعنى ال: مستمر في تعجيز الجن والإنس، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا ينتصر.
{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)}.
جواب (إذا) محذوف مقصود به الإبهام، كأنه يقول: {فإذا انشقت السماء} فما أعظم الهول، وانشقاق السماء انفطارها عند القيامة. وقال قتادة: السماء اليوم خضراء وهي يوم القيامة حمراء، فمعنى قوله: {وردة} أي محمرة كالوردة وهي النوار المعروف. وهذا قول الزجاج والرماني. وقال ابن عباس وأبو صالح والضحاك: هي من لون الفرس الورد، فأنث لكون {السماء} مؤنثة.
واختلف الناس في قوله: {كالدهان} فقال مجاهد والضحاك: هو جمع دهن، قالوا وذلك أن السماء يعتريها يوم القيامة ذوب وتميع من شدة الهول. وقال بعضهم: شبه لمعانها بلمعان الدهن. وقال جماعة من المتأولين الدهان: الجلد الأحمر، وبه شبهها، وأنشد منذر بن سعيد: الطويل:
يبعن الدهان الحمر كل عشية ** بموسم بدر أو بسوق عكاظ

وقوله تعالى: {لا يسأل عن ذنبه} نفي للسؤال. وفي القرآن آيات تقتضي أن في القيامة سؤالًا، وآيات تقتضي نفيه كهذه وغيرها، فقال بعض الناس ذلك في مواطن دون مواطن، وهو قول قتادة وعكرمة وقال ابن عباس وهو الأظهر في ذلك أن السؤال متى أثبت فهو بمعنى التوبيخ والتقرير، ومتى نفي فهو بمعنى الاستخبار المحض والاستعلام، لأن الله تعالى عليم بكل شيء. وقال الحسن ومجاهد: لا يسأل الملائكة عنهم، لأنهم يعرفونهم بالسيما، والسيما التي يعرف بها {المجرمون} هي سواد الوجوه وزرق العيون في الكفرة، قاله الحسن. ويحتمل أن يكون غير هذا من التشويهات.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {فيؤخذ بالنواصي والأقدام}. فقال ابن عباس: يؤخذ كل كافر بناصيته وقدميه فيطوى يجمع كالحطب ويلقى كذلك في النار. وقال النقاش: روي أن هذا الطي على ناحية الصلب قعسًا وقاله الضحاك. وقال آخرون: بل على ناحية الوجه، قالوا فهذا معنى: {فيؤخذ بالنواصي والأقدام}. وقال قوم في كتاب الثعلبي: إنما يسحب الكفرة سحبًا، فبعضهم يجر بقدميه، وبعضهم بناصيته، فأخبر في هذه الآية أن الأخذ يكون {بالنواصي} ويكون ب {الأقدام}.
وقوله: {هذه جهنم} قبله محذوف تقديره: يقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ وفي مصحف ابن مسعود: {هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان}.
وقرأ جمهور الناس: {يَطُوفون} بفتح الياء وضم الطاء وسكون الواو. وقرأ طلحة بن مصرف: {يُطَوّفون} بضم الياء وفتح الطاء وشد الواو. وقرأ أبو عبد الرحمن: {يطافون}، وهي قراءة علي بن أبي طالب. والمعنى في هذا كله أنهم يترددون بين نار جهنم وجمرها {وبين حميم} وهو ما غلي في جهنم من مائع عذابها. والحميم: الماء السخن. وقال قتادة: إن العذاب الذي هو الحميم يغلي منذ خلق الله جهنم. وأنى الشيء: حضر، وأنى اللحم أو ما يطبخ أو يغلى: نضج وتناهى حره والمراد منه. ويحتمل قوله: {آن} أن يكون من هذا ومن هذا. وكونه من الثاني أبين، ومنه قوله تعالى: {وغير ناظرين إناه} [الأحزاب: 53] ومن المعنى الآخر قول الشاعر عمرو بن حسان الشيباني: الوافر:
أنى ولكل حاملة تمام

ويشبه أن يكون الأمر في المعنيين قريبًا بعضه من بعض، والأول أعم من الثاني. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} أي: كل من على الأرض من الحيوانات هالك، وغلب العقلاء على غيرهم، فعبر عن الجميع بلفظ من، وقيل: أراد من عليها من الجنّ والإنس {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الجلال والإكرام} الوجه عبارة عن ذاته سبحانه ووجوده، وقد تقدّم في سورة البقرة بيان معنى هذا، وقيل: معنى {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} تبقى حجته التي يتقرّب بها إليه، والجلال: العظمة والكبرياء، واستحقاق صفات المدح، يقال: جلّ الشيء، أي: عظم، وأجللته، أي: أعظمته، وهو اسم من جلّ.
ومعنى ذو الإكرام: أنه يكرم عن كل شيء لا يليق به، وقيل: إنه ذو الإكرام لأوليائه، والخطاب في قوله: {ربك} للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، قرأ الجمهور: {ذو الجلال} على أنه صفة لوجه، وقرأ أبيّ، وابن مسعود: (ذي الجلال) على أنه صفة لربّ.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وجه النعمة في فناء الخلق أن الموت سبب النقلة إلى دار الجزاء والثواب.
وقال مقاتل: وجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام.
{يَسْأَلُهُ مَن في السموات والأرض} أي: يسألونه جميعًا؛ لأنهم محتاجون إليه لا يستغني عنه أحد منهم.
قال أبو صالح: يسأله أهل السموات المغفرة، ولا يسألونه الرزق، وأهل الأرض يسألونه الأمرين جميعًا.
وقال مقاتل: يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة، وتسأل لهم الملائكة أيضًا الرزق والمغفرة، وكذا قال ابن جريج.
وقيل: يسألونه الرحمة.
قال قتادة: لا يستغني عنه أهل السماء، ولا أهل الأرض.
والحاصل أنه يسأله كل مخلوق من مخلوقاته بلسان المقال، أو لسان الحال ما يطلبونه من خيري الدارين، أو من خيري إحداهما {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} انتصاب كل بالاستقرار الذي تضمنه الخبر، والتقدير: استقر سبحانه في شأن كل وقت من الأوقات، واليوم عبارة عن الوقت، والشأن هو الأمر، ومن جملة شؤونه سبحانه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبونه منه على اختلاف حاجاتهم، وتباين أغراضهم.
قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت، ويرزق ويفقر، ويعزّ ويذلّ، ويمرض ويشفي، ويعطي ويمنع، ويغفر ويعاقب، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
وقيل: المراد باليوم المذكور: هو يوم الدنيا ويوم الآخرة، قال ابن بحر: الدّهر كله يومان: أحدهما مدّة أيام الدنيا، والآخر يوم القيامة، وقيل: المراد: كل يوم من أيام الدنيا {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن اختلاف شؤونه سبحانه في تدبير عباده نعمة لا يمكن جحدها، ولا يتيسر لمكذّب تكذيبها {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} هذا وعيد شديد من الله سبحانه للجنّ والإنس.
قال الزجاج، والكسائي، وابن الأعرابي، وأبو علي الفارسي: إن الفراغ ها هنا ليس هو الفراغ من شغل، ولكن تأويله القصد، أي: سنقصد لحسابكم.
قال الواحدي حاكيًا عن المفسرين: إن هذا تهديد منه سبحانه لعباده، ومن هذا قول القائل لمن يريد تهديده: إذن أتفرغ لك، أي: أقصد قصدك، وفرغ يجيء بمعنى قصد، وأنشد ابن الأنباري قول الشاعر:
الآن وَقَدْ فَرَغْتُ إلى نُميَرٍ ** فهذا حينَ كُنْتُ له عَذَابًا

يريد: وقد قصدت، وأنشد النحاس قول الشاعر:
فرغت إلى العبد المقيد في الحجل

أي: قصدت، وقيل: إن الله سبحانه وعد على التقوى، وأوعد على المعصية، ثم قال: سنفرغ لكم مما وعدناكم، ونوصل كلًا إلى ما وعدناه، وبه قال الحسن، ومقاتل، وابن زيد، ويكون الكلام على طريق التمثيل.
قرأ الجمهور: {سنفرغ} بالنون وضمّ الراء، وقرأ حمزة والكسائي بالتحتية مفتوحة مع ضم الرّاء، أي: سيفرغ الله، وقرأ الأعرج بالنون مع فتح الراء.
قال الكسائي: هي لغة تميم، وقرأ عيسى الثقفي بكسر النون وفتح الراء، وقرأ الأعمش وإبراهيم بضمّ الياء وفتح الراء على البناء للمفعول، وسمي الجنّ والإنس ثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى غيرهما من حيوانات الأرض، وقيل: سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياءً، وأمواتًا كما في قوله: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقالهَا} [الزلزلة: 2] وقال جعفر الصادق: سميا ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب، وجمع في قوله: {لَكُمْ} ثم قال: {أَيُّهَ الثقلان}؛ لأنهما فريقان، وكل فريق جمع.
قرأ الجمهور: {أيه الثقلان} بفتح الهاء، وقرأ أهل الشام بضمها.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها ما في هذا التهديد من النعم، فمن ذلك أنه ينزجر به المسيء عن إساءته، ويزداد به المحسن إحسانًا، فيكون ذلك سببًا للفوز بنعيم الدار الآخرة الذي هو النعيم في الحقيقة {يا معشر الجن والإنس} قدّم الجنّ هنا لكون خلق أبيهم متقدّمًا على خلق آدم، ولوجود جنسهم قبل جنس الإنس {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض} أي: إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض، ونواحيهما هربًا من قضاء الله وقدره {فانفذوا} منها، وخلصوا أنفسكم، يقال: نفذ الشيء من الشيء: إذا خلص منه، كما يخلص السهم {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان} أي: لا تقدرون على النفوذ إلاّ بقوّة وقهر، ولا قوّة لكم على ذلك ولا قدرة، والسلطان: القوّة التي يتسلط بها صاحبها على الأمر، والأمر بالنفوذ: أمر تعجيز.
قال الضحاك: بينما الناس في أسواقهم إذ انفتحت السماء، ونزلت الملائكة فهرب الجنّ، والإنس، فتحدق بهم الملائكة، فذلك قوله: {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان}.
قال ابن المبارك: إن ذلك يكون في الآخرة.
وقال الضحاك أيضًا: معنى ال: إن استطعتم أن تهربوا من الموت، فاهربوا.
وقيل: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض، فاعلموه ولن تعلموه إلاّ بسلطان، أي: ببينة من الله.
وقال قتادة: معناها لا تنفذوا إلاّ بملك، وليس لكم ملك.
وقيل: (الباء) بمعنى (إلى) أي: لا تنفذون إلاّ إلى سلطان {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ومن جملتها هذه النعمة الحاصلة بالتحذير والتهديد، فإنها تزيد المحسن إحسانًا، وتكفّ المسيء عن إساءته، مع أن من حذّركم وأنذركم قادر على الإيقاع بكم من دون مهلة.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ} قرأ الجمهور: {يرسل} بالتحتية مبنيًا للمفعول، وقرأ زيد بن عليّ بالنون ونصب {شواظ} والشواظ: اللهب الذي لا دخان معه.
وقال مجاهد: الشواظ اللهب الأخضر المتقطع من النار.
وقال الضحاك: هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب.
وقال الأخفش، وأبو عمرو: هو النار، والدخان جميعًا.
قرأ الجمهور: {شواظ} بضم الشين، وقرأ ابن كثير بكسرها وهما لغتان، وقرأ الجمهور: {ونحاس} بالرفع عطفًا على شواظ، وقرأ ابن كثير، وابن محيصن، ومجاهد، وأبو عمرو بخفضه عطفًا على {نار}، وقرأ الجمهور {نحاس} بضمّ النون، وقرأ مجاهد، وعكرمة، وحميد، وأبو العالية بكسرها.
وقرأ مسلم بن جندب، والحسن: {ونحس}، والنحاس: الصفر المذاب يصبّ على رؤوسهم، قاله مجاهد، وقتادة، وغيرهما.
وقال سعيد بن جبير: هو الدخان الذي لا لهب له، وبه قال الخليل. وقال الضحاك: هو درديّ الزيت المغلي.
وقال الكسائي هو النار التي لها ريح شديدة، وقيل: هو المهل {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} أي: لا تقدران على الامتناع من عذاب الله {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذا الوعيد الذي يكون به الانزجار عن الشرّ، والرغوب في الخير.
{فَإِذَا انشقت السماء} أي: انصدعت بنزول الملائكة يوم القيامة {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} أي: كوردة حمراء.
قال: سعيد بن جبير، وقتادة: المعنى فكانت حمراء، وقيل: فكانت كلون الفرس الورد، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة أو الصفرة.